في ذمة الله

فكما الحب أعمى يقتحم لا إراديا حياة الانسان .. كذلك في نظري الموت أعمى وهو لا اراديا يدخل حياة الانسان
لربما أن الحب يجعلنا نشعر أننا ولدنا من جديد .. لكن الموت .. يقف في الحلقة لتبدأ حياتك بالانتهاء حتى آخر رعشة في الجسد لتلتف الساق بالساق ..

عجبا لدنيا يموت الخيير فيها ويبقى السيء يحيا في رخاء ..
وليس لنا إلا الرضى بقضاء الله وقدره والدعاء لمن سقطت ورقته الدنيوية أن يخلد في الجنان

"
اليوم .. وفي الساعة الثامنة صباحا .. غادرتنا .. حملت قلوبنا العاشقة لها ولكنها رمت حمل الآلام الذي أرقدها قي قسم الاحياء الأموات قرابة شهرين .. وحيدة هناك لا تعي من الحياة شيء ..
نبض دون حواس .. موت يرقد على سرير .. .. رحمة الله عليها ..

لي نص قد كتبته عنها بداية مرضها .. أتناوله من أرشيف الذكريات لأضعه هنا ..
واعذروني ..

اللهم .. فلتتلطف بها .. فما غادرت الدنيا الا اليك تاقت نفسها للراحة بين يديك ..

"


الخالة صفية

:لا أتذكر أبدا في أي عمر بالتحديد مكثت محبتها في قلبي
كانت اوج ابتسامة لا يبعثرها الزمن ولا يكومها حاجة ولا يحنيها ضعف
حين تصافح ملامحها عيناي اشهد دائما بأنها تحوي حنانا يتدفق دون توقف
هي الآن سرير جامد بوعي ولا وعي يكفلها الرب برحمته الذي لا ينفذ عطاؤه..
اما راحموا الارض نفذت من ارواحهم سبل العطاء ..
تتعثر نظراتي منذ أول وهلة الدخول بجسدها المهلك ومحاولاتها التحرك دون فائدة
نظراتها جامدة مكسورة تحرك قلب الحجر وتصهره ألما
امسكت يدها مسحت شعرها وبين الافاقة والهذيان عرفتني منذ صافحتُ يدها
فاستجدت اجابة مني عن سبب عدم زيارتها وكأنها طفل يحاول التظلم
مهظم كيانه وهو بلاقوة عاجز يتوكل على الله
كانت تتسائل عن الطفلة التي معي إبنتي !! ..لم تعرفها وكأن كثيرا منها مشتت..
بل ان هناك مساحات بين صفائح ذاكرتها ضائع لا يفهم ماحوله !!
احيانا تتكلم بكامل وعيها، ثم تجد ان هذا الوعي تلحف بهذيانها فتذكر امورا لا منطق لها
تسقط دمعة على وجنتيها وهي تتحدث عن ابنائها ماذا يأكلون ماذا يفعل؟؟
تتسائل كيف هم بدونها هي حرارة امٍ وانكسار اتحجر بكامل قوتي حتى لا تنفذ صبرها دموعي اخاف ان تدرك وجعي
ابتسم وامسح على شعرها
ثم تحدثني كم ان وجهها مليء بالشعر ،، لم اترك نفسي هكذا قبلا هكذا كانت تقول
بادرت بتنظيف وجهها ودون انتباه وضعت يدي على مرفقها استشعرت ازيزا استغربت منه
اهو سريان الدم في عروقها له هذا الازيز ؟!!
دققت واذ به جهاز مغروز داخل ذراعها كان ازيزه يتوطننني وجعا يذكرني بإرهاقها الشديد
واعيائها من عمليات غسيل الكلى اليومية ..لاول مرة اجدها مجهدة لحد عدم الوعي
فقد عشتها لا تركن ساعة واحدة الا لتدخن مع جاراتها ويتسامرن في احاديثهن اليومية ..
احداثا وأبناءا .. وقيل وقال كعادة النسوة ..ومع دخان ( القدو ) المتصاعد ودلة القهوة
والرطب ...كانت لاتغفل عن جار ولا مار ولا مريض
تشهد نعليها تعفرهما اليومي في الطرقات من بيت لبيت لا يُجلسها الا وقت صلاة او طبخ او نوم او اجتماع النسوة معها
هاهي امامي ترفع رجلا وتهبط بالاخرى لكثرة تنملهما من عدم الحركة
احاول تفحص ابتسامتها التي كانت ترن على مدى امتار من مكانها ..
لم تبتسم مذ جلست امامها وكأن الابتسامة فقدت ذاكرتها من شفتيها .
أحيانا أتمنى أن يطول عمري لأرى أبنائي يخطون مستقبلهم واحيانا أتمنى ان لا يبقيني عمري
حتى يلجني الضعف والانكسار بهذ القسوة ..لا اريد ان يمل احبتي انتظار موتي ..
من وجه آخر .. اخاف ان يقتلع الزمن الرحمة من أفئدة أبنائي فلا تحط رحالهم أبدا قربي .
فأترك عالةً تلملمني بعض الناس ويشمئز مني بقيتهم ..
أخاف .. ان يسلبني العمر قوتي فتسندني القضبان والجدران حينها اتناول طعامي كطفلة واقضي حاجاتي على السرير ..
لم أشمئز يوما من عاجز لا أعرفه فكيف بعاجز أحبه جدا وأنذر له نفسي خادمةً مطيعة ..
هل تراه الاشمئزاز سيدركني في آخر لقمة من قصعة حياتي ..؟؟
بقيت اتحسس وجنتيها متأملة جسدها المقبور في المرض ..
لم يكتمل هذا الطقس المتأمل منها المشتاق بكاءا فقد غادرت محمولة بين ايدي الممرضين
انتظرت رجوعها لكن وقت رحيلي أزف ورحلة آلامها لازالت مستمرة تحت الأجهزة ..
لم تعد لأقبلها ..ما أجحدني ..أعرف ان وقتي لن يسنح لزيارة أخرى لها ..
كم يقلقني أن تسقط ورقتها ولا أكون بقربها ..أخاف ان يرملني الحزن ببعدها ..
أصبت بحالة قرف واشمئزاز من تلك الخادمة اللعينة التي تهمل ان تغطيها ليلا فتتثلج أطرافها وتصرخ تحتاج دفئا .. لعينة تلك الخادمة
توحشت وكشرت عن انياب غضبي ولو ان لي الحق لسحقتها بين فكيّ ومزقتها تمزيقا ..
مجبرة على بلع قهري فلا حول لي ولاقوة يالروحك المسكينة ياخالتي ..
كم أدعوا من كل قلبي ان ترتسم الصحوة والحياة على وجنتيك من جديد ...
شكر خاص لكافلتها بالرعاية أثلج الله صدرك يوم القيامة وأرواك من عذب قبوله ورضاه يا أم حسن ...




"


مودتي .. نسألكم الدعاء لها بالمغفرة

4 التعليقات:

حَافِـيَةُ الَقَدمَيّـنْ ولِبَاسِي المَطـرْ 7 أكتوبر 2009 في 2:18 م  

الله يرحم أموات المسلمين والمسلمات
ويَغفرلهم خطاياهم ,
راقيِ ما كتبتيه , فقدْ وَلد في خَاطري
الحزن ..
دمتِ رائعةً

واحة خضراء 7 أكتوبر 2009 في 4:50 م  

اسئلة الحنان ابنائي بناتي من لهم بعدي ، نعم من لهم بعدكِ يا اماه !

امي اقولها وقلبي وعيني تتفطر دموعاً لا انسى وقفتكِ في المطبخ واعداد الطعام لنا جميعاً جميعا ..

امي اقولها وشهقة الوداع تألمني لا انسى قصصكِ التراثية عندما نجلس للغذاء ..

امي من سيملأ البيت مكانك ِ من ؟
لا يوجد احد سواكِ

رحيلُكِ حول جمال البيت الى قبر ، انني اختنق اموت ، لا استطيع النظر الى جدران غرفتكِ دونكِ ..

لكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره
كُلنا راحلون

كلمات نُرددها لعلها تداوي الجراح ..
جراح رحيل الأم عن ابناءها وبناتها ..
جراح رحيل الخالة عن عائلتها ..
جراح رحيل الخالة عن عزيزة روحها منذ الصغر عزيزة عقدة المطر ..


كلماتٍ قرأتها على قلوبكم

عظم الله اجوركم

Cesc 7 أكتوبر 2009 في 7:55 م  

الله يرحمها
وعظم الله اجرك ’

عقدة المطر 7 أكتوبر 2009 في 11:09 م  

حافية القدمين ،، واحة خضراء ،، لذة الجنون ..

ما أروع أن تجتمع القلوب الطيبة حولك في لحظة الحزن ..

لكم شكر كبير من أعماق قلبي



محبتي لكم

إرسال تعليق

رؤية

صورتي
قد لا أرى نفسي جيداً ،، لكنني أحاول الإصغاء قدر الإمكان ..

بياضهم يلملم أنفاسي

كن على علم بكل جديد ، إشترك ..

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner